في التدوينة السابقة تحدثت بشكل مبعثر عن بعض الأفكار التي تدور في رأسي حول مادة “مشروع التخرج”، و فضّلت أن أفرد تدوينة خاصة بمسألة إختيار فكرة المشروع لأهميتها و لكثرة السؤال عن هذا الجانب بالذات.
مشاريع تخرج مزعجة & خطوات عملية لمشروع متميز
الأسئلة الصعبة كثيرة جداً، واحد منها أن يتقدم لك أحدهم و يسألك: هل لديك أفكار لمشروع تخرج؟ نعم يا عزيزي لدي أفكار لمشاريع تخرج كثيرة لكن طالما أنك إبتدئتني بهذا السؤال فأنا أتوقع أنك لاتقدر على أحد منها ! آسف على الصراحة، لكنها الحقيقة !
في البداية، دعونا نكون صادقين، و إن كان الصدق سيؤلم بعضكم، أن تصل إلى السنة الأخيرة في الجامعة و لا تعرف موضوعاً مناسباً لأن يكون مشروع تخرجك، فأنت و بدون شك لم تمضي وقت كافي خلال سنواتك الدراسية في معرفة تخصصك، بل على الأرجح كنت تذاكر لتنجح ثم ها أنت في السنة الأخيرة تائه لا تعرف في أي إتجاه تمضي.
معظم من يتعلمون بجد خلال سنوات الدراسة الجامعية يكون لديهم على الأقل إحساس بالإتجاه الذي يجب أن يسلكوه، و غالباَ تتشكل لديهم صورة ضبابية عن مشروع التخرج، هذا النوع من الطلاب من السهل تقديم المساعدة لهم و من السهل توجيههم، بل و من السهل أيضاً مساعدتهم للخروج بمشاريع متميزة، أما النوع الأول فغالباً سيقضي فترة ليست قصيرة يبحث عن فكره لمشروعه ثم سيخرج بفكرة هزيله جداً.
مشاريع تزعجني !
توجد قائمة طويلة بالمشاريع التي تزعجني شخصياً، و أظن أنها تزعج أي شخص له إطلاع على التخصص، أولها المشاريع الهزيلة جداً بدون أي أهداف تعليمية، مثلاً أنزعج شخصياً من رؤية برامج من نوع “إدارة الموظفين” ويقوم فيها الطالب ببرمجة عدد كبير من الواجهات للإدخال و الإخراج كلها متشابهة لا تختلف فيها إلا أسماء الحقول! واجهة واحدة كافية أن تثبت لي أن الطالب قادر على تصميم هذا النوع من البرامج، و خمسة واجهات كافية جداً لأن تثبت لي أن الطالب قادر على النسخ و اللصق بشكل ممتاز.
النوع الآخر من المشاريع التي تزعجني، أطلق عليها لقب “مشاريع المتفلسفين!“، حيث يأتي الطالب أو الطالبة و يقترح تطوير نظام لإكتشاف الأورام السرطانية (أعاذنا الله و إياكم) بإستخدام الخوارزمية الجينية (قصة حقيقية!)، أو نظام للتعرف على مشاعر الأطفال من خلال حركة عيونهم .. الخ من المشاريع العجيبة، هل تعرفون لماذا أعتبرهم متفلسفين؟ لأن سؤالهم التالي بعد مفاجئتك بمشروعهم القومي يكون: إيش أفضل لغة برمجة لهذا المشروع؟ وقتها، يمكنك أن تشد شعرك أو أن تمزق ثيابك من القهر. أستطيع أن أتفهم أن بعض المصطلحات التقنية، خصوصاً المرتبطة بمجال الذكاء الإصطناعي تشعر الإنسان بنشوة عجيبة، فخوازمية مثل Genetic Algorithm (الخوارزمية الجينية) أو الشبكات العصبية (Neural Networks) أو مجال مثل تعلم الآلة (Machine Learning) يمكن أن تصنع طبقات من الخيال العلمي في عقل المتلقي الغير مطّلع عليها، لكنها كذلك تخفي خلفها طبقات من التعقيد و تتطلب مستويات متقدمة من المعرفة و القدرة على التعلم الذاتي، لذلك عندما يسألني الشخص عن لغة البرمجة الأنسب بعدما يقترح مشروع من هذا النوع، فإني أرجح أنه لن يكون قادر على تعلم هذه الأمور بنفسه وأنه لم يقرأ عنها بما فيه الكفاية.
النوع الثالث من المشاريع التي تزعجني، ولا أعلم هل أكرهه أكثر من النوع الثاني أم أني أكره النوع الثاني أكثر! هي أفكار المشاريع الهزيلة المقدمة لمساعدة إخواننا من أصحاب الإحتياجات الخاصة، أردد كثيراً أن النية الطيبة لاتكفي في مثل هذه المشاريع، و أكرر أيضاً أن هذا النوع من المشاريع يكاد يكون الأكثر صعوبة على الإطلاق، أجدها محاولة بائسة و تفتقد للإنسانية أن يحاول الإنسان أن يطبق أفكاراً مبعثرة على هذه الفئة بدون دراسة مستفيضة كافية، و هو الأمر الذي يصعب تحقيقه في مشاريع التخرج. و أجده أمر “مقرف” أن يقوم الشخص الذي لم يجد فكرة مشروع تناسبه أن يتوجه بفكره في هذا الإتجاه رغبة في إيجاد مشروع جيد. رجاء خاص، من كان يريد أن يطور مشاريع لإخواننا أصحاب الإحتياجات الخاصة فليكن أحد شخصين: شخص عاش أو عايش حالة من هذا النوع فهو على إطلاع كافي بمعاناتهم و إحتياجاتهم، أو شخص لديه وقت كافي لدراسة و تنفيذ فكرته بشكل متكامل و إختبارها بشكل مكثف.
قواعد عامة لمشاريع التخرج
- ليس من الواجب أن تكون الفكرة جديدة و مبتكرة. لكن يجب أيضاً أن لاتكون الفكرة مستهلكة و قديمة. التوازن بين هذين الأمرين مهم.
- ليس من الواجب أن تكون الفكرة ضخمة، لكن يجب أيضاً أن لاتكون صغيرة، التوازن مهم هنا أيضاً.
- تذكر أن مشروعك ليس مجرد فكرة عبقرية تقدمها و تنتهي، بل هو برنامج ستبنيه، و تقرير ستكتبه، و عرض ستقدمه. إن كنت تظن أن مشروعك سيفشل في واحده من هذه فأعد التفكير فيه.
- يجب أن تكون الفكرة قابلة للتطبيق خلال الفترة المتوفرة للمشروع.
- أعطي نفسك فرصة كافية للقراءة عن المشروع و الإحاطة به قبل أن تقدمه كمقترح.
خطوات عملية للوصول إلى مشروع متميز
الخطوة الأولى: تحديد المسار لعام للمشروع
حتى تصل لفكرة مشروع متميزة، يجب أن تمر بعدة خطوات، الخطوة الأولى هي تحديد المسار العام للمشروع، و بشكل عام يوجد مسارين يمكنك إختيار احدهما:
- أن يقوم مشروعك بحل مشكلة حقيقية، و الأمثلة على المشاكل الحقيقة كثيرة جداً، و أفضل طريقة لإيجاد مشكلة من هذا النوع هو ملاحظة الناس من حولك و التدقيق في طريقة أدائهم للمهام الروتينية و محاولة حلها بشكل آلي فعّال. خذ على سبيل المثال مشكلة إدارة المصروف العائلي، أو مشكلة متابعة المهام اليومية. المهم في هذه الخطوة أن لا تقم بإختيار مشكلة تم قتلها و حلها ملايين المرات.
- المسار الثاني أن تكون مشكلة تحتاج لبحث علمي، وهذا النوع من المشاكل يحتاج إطلاع و قراءة متعمقة في المجلات العلمية، ومن أمثلة هذه المشكلات التلخيص الآلي للمقالات.
هذه خطوة مهمة يغفل عنها كثير من الطلاب، لا يمكنك أن تقفز مباشرة من فكرة إلى التنفيذ بدون معرفة الواقع الحالي و القراءة المتعمقة و دراسة البدائل المتوفرة. هل تقوم بتصميم برنامج لإدارة المصاريف؟ ماهي أهم البرامج المنافسة؟ ماهي أهم المشاكل التي يواجهها المستخدم مع هذه برامج؟.
هذه الخطوة تسمى في مبادئ البحث بمراجعة الدراسات السابقة Literature Review، وفيها يقوم الباحث بقراءة كل ما كتب في موضوع البحث الذي يقترحه وما له صلة به، ليس مطلوب منك كطالب بكلوريوس أن تحيط بكل شيء بموضوعك، لكن يجب عليك على الأقل أن تقوم بقراءة مقالة أو بحث بشكل متعمق حول موضوع مشروعك.
الخطوة الثالثة: تحقيق التوازن
الآن و قد إخترت مساراً عاماً للمشروع و قرأت عنه، يجب أن تتأكد من تحقيق التوازن بحيث يكون المشروع في متناول اليد، فلا يكون ضخم جداً ولا هزيل جداً، و لا يكون مشروع بحثي معقد لا يمكن تنفيذه إلا بواسطة طالب دكتوراه، ولا يكون مشروع بسيط يمكن تنفيذه بواسطة شخص تعلم البرمجة قبل يومين.
و الخلطة السحرية لذلك هي ان تضيف لمشروعك أفكاراً من المسار الآخر، فإن كان مشروعك يحل مشكلة حقيقية مثل إدارة المصاريف (من المسار الأول) ، فقم بإضافة خاصية تسمح بتحليل النفقات بشكل ذكي (من المسار الثاني)، و إن كانت فكرتك تطبيق خوارزمية التلخيص الآلي (من المسار الثاني) فأضف عليها تلخيصاً آلياً لآخر الأخبار في مجال معين مع واجهة للجوال (من المسار الأول). أستطيع أن أؤكد لك أنك إن ركزت على تحقيق هذا التوازن ستخرج رغماً عنك بمشروع متميز.
الآن و قد مررت بهذه المراحل الثلاث أعتقد أنك جاهز لكتابة مقترح المشروع لمشرفك و مناقشتك إياه، ستكون لك اليد العليا لأنك قرأت عن الموضوع بطريقة متعمقة فتستطيع أن تتفاوض معه بطريقة مرضية لكليكما، و لأنك حققت التوازن في الخطوة الأخيرة فسيجد مشرفك حرجاً في طلب الكثير من الطلبات الخارجية.
منقووول .
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقاتضع تعليقك هنا